تداعيات أوكرانيا- تحولات القوة والنظام العالمي الجديد في الشرق الأوسط.

في الرابع والعشرين من شهر فبراير/ شباط لعام 2024، تحل الذكرى السنوية الثالثة للغزو الروسي لأوكرانيا، والذي تعتبره موسكو صراعًا مصيريًا ذا أبعاد متشعبة: بعد داخلي يتعلق ببقاء الدولة الروسية أو اضمحلالها من الخريطة الجيوسياسية العالمية، وبعد خارجي يرتبط باستعادة روسيا لدورها المحوري في الساحة الدولية كقوة عظمى، واستغلال ذلك في استعادة أمجادها كقوة عالمية مؤثرة.
في المقابل، يمثل هذا الصراع بالنسبة للطرف الأورو-أميركي فرصة لتأمين النفوذ والسيطرة اللذين بسطوهما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، مع التسليم ببعض التراجعات في مستوى السيطرة المفترضة على مفاصل النظام الدولي.
وعليه، يمكن النظر إلى هذا الصراع بأنه يتجاوز مجرد كونه نزاعًا بين دولتين تدعمهما قوتان متضادتان، بل هو يمثل تحديًا لإرساء نظام دولي جديد يأخذ في الاعتبار كل المتغيرات التي أثرت بشكل كبير على قواعد النظام الدولي الأحادي الذي تأسس في عام 1945.
ومع وصول الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، تغيرت المقاربة الأميركية تجاه الأزمة الأوكرانية بشكل جذري، مما أثار العديد من التساؤلات التي نحاول الإجابة عنها في هذا المقال، ومنها:
ما هي النتائج المتوقعة من اجتماع البيت الأبيض الذي شهد مشادة كلامية بين ترامب وزيلينسكي؟ ما هي أوجه التقاطع الأمني بين واشنطن وبروكسل؟ ما هو تأثير الخلافات القائمة بين الشريكين التقليديين على الأمن الأوروبي؟ ما هي المكاسب التي حققها الشرق الأوسط من هذا الصراع، وكيف يمكن تعزيزها واستدامتها؟ وما هو تأثير أي تسوية يتم التوصل إليها على مستقبل النظام الدولي؟
تلاقي الأجندات الغربية في كييف
لقد فرضت التعقيدات الجيوسياسية نفسها على منطقة شرق أوروبا، ولا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، الأمر الذي دفع حلف شمال الأطلسي (الناتو) للتوسع شرقًا، حيث انضمت كل من جمهورية التشيك والمجر وبولندا إلى الحلف في عام 1999. وفي الفترة ما بين عامي 2004 و2009، انضمت تسع دول أخرى من شرق أوروبا إلى الحلف، وهي: بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا وألبانيا وكرواتيا، تبعتها لاحقًا كل من الجبل الأسود ومقدونيا الشمالية، ليصبح إجمالي عدد الدول التي انضمت إلى الحلف منذ عام 1999 وحتى عام 2020 أربع عشرة دولة، وهو ما يمثل ما يقارب نصف عدد الدول الأعضاء في الحلف الذي تأسس عام 1949.
وبناءً على ذلك، لم يتبق من الدول العازلة بين روسيا وحلف الناتو سوى بيلاروسيا وأوكرانيا، وترى روسيا أن انضمام هاتين الدولتين يعني تطويقها وتشديد الخناق الجيوسياسي عليها، مما قد يؤدي إلى زوالها من الخريطة الجيوسياسية.
إن روسيا تخوض هذه المعركة، التي فرضها عليها حلف الناتو، كمعركة وجودية لا تقبل القسمة، وهذا ما يفسر جزئيًا تراجعها عن دعم حليفها الرئيس في سوريا، بشار الأسد.
تتفق الأجندات الغربية، سواء الأميركية أو الأوروبية، على تعزيز المكاسب الجيوسياسية من خلال زيادة الضغط على روسيا عن طريق ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو.
وقد حظيت هذه الرؤية بدعم وتأييد الشركاء الغربيين، وخاصة على مستوى الإدارات الأميركية السابقة، بدءًا بإدارة أوباما، وإلى حد ما إدارة ترامب الأولى في عام 2016، وصولًا إلى إدارة بايدن التي قدمت دعمًا كبيرًا لكييف.
وقد عكس ذلك توافقًا تامًا بين الموقفين الأوروبي والأميركي في هذا الشأن، إلا أن الرئيس الجديد الذي وصل إلى البيت الأبيض في عام 2025 كان يحمل رؤية مختلفة تمامًا عمن سبقوه، ومتناقضة مع الموقف الأوروبي إلى حد التضاد.
فدونالد ترامب لا يرى في الحرب الأوكرانية مصلحة استراتيجية لأميركا، وتتلاقى رؤيته مع آراء المتشددين من أنصار النظرية الواقعية الهجومية في العلاقات الدولية، الذين يرون أن أكبر الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها الولايات المتحدة هو دخولها في ما أسموه "المستنقع الأوكراني"، ويؤكدون على ضرورة أن تركز واشنطن جهودها على مواجهة ومحاصرة خصمها الاستراتيجي، الصين، بدلًا من السعي وراء مكاسب غير مضمونة من توسع الناتو في الفضاء الحيوي لموسكو.
ويبدو أن ترامب يولي اهتمامًا لهذا التوجه الواقعي، ويتجلى ذلك في تبنيه خطة لإنهاء هذا الصراع، حيث تواصل مع الرئيس بوتين بعد قطيعة فرضتها إدارة بايدن السابقة.
وتتضح دلالات التباين في رؤية واشنطن مع حلفائها من خلال عدم إشراك ترامب لحلفائه الأوروبيين في المشاورات الدبلوماسية التي قادها ماركو روبيو، وزير الخارجية الأميركي، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، في العاصمة السعودية الرياض. ولا توجد حتى الآن أي مؤشرات على إشراك بروكسل وحلف الناتو في هذه المساعي، والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ليس طرفًا فيها أيضًا.
ومن هنا، تتصاعد المخاوف الأوروبية، حيث تخشى القارة العجوز أن تجد نفسها طرفًا رئيسًا في إدارة صراع كبير على أعتابها للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، خاصة إذا توصل ترامب إلى اتفاق مع روسيا لا يضمن حماية كافية لأوكرانيا، وبالتالي لأوروبا، من أي تهديدات روسية مستقبلية.
وترى أوروبا أن استجابة واشنطن لأهداف الكرملين في الحرب ستضر بمصداقية حلف الناتو، وتقوض استقراره. وما حدث من مشادة كلامية بين ترامب والرئيس الأوكراني في البيت الأبيض، زاد من حدة المخاوف الأمنية لدى الأوروبيين.
إن هذا الضعف الأمني الذي قد تتعرض له أوروبا، الحليف التاريخي للولايات المتحدة، يستدعي نظرة متعمقة إلى تداعيات استمرار الحرب أو التوصل إلى تسوية في الملف الأوكراني على منطقة الشرق الأوسط.
التبعات المحتملة لاجتماع البيت الأبيض
بداية، يمكن القول إن مسرح الاجتماع قد أُعد مسبقًا ليقود إلى تلك اللحظة التي ارتفعت فيها الأصوات بين ترامب وزيلينسكي، والتي كان الهدف منها إحراج الضيف الأوكراني ووضعه تحت الضغط، بهدف الحصول على تنازلين رئيسين:
الأول: هو حصول واشنطن على حصة كبيرة من الموارد الأوكرانية النادرة، والتي تقدر بمكاسب تتجاوز قيمتها 500 مليار دولار، مقابل الدعم الذي قدمته لها خلال الحرب.
والثاني: يتعلق بقبول كييف بتسوية لا تتضمن أي ضمانات أمنية من الولايات المتحدة. وقد تم استفزاز زيلينسكي بالعديد من الطرق، بدءًا من انتقاد الزي الذي يرتديه، على الرغم من رمزيته للشعب الأوكراني الذي يخوض حربًا مدمرة، مرورًا بتدخل نائب الرئيس الأميركي في سابقة غير متوقعة، وانتهاءً بتلويح ترامب بيده إلى الباب، في إشارة واضحة إلى ضرورة مغادرة الضيف للبيت الأبيض.
ويبدو أن ما حدث للرئيس الأوكراني هو امتداد حقيقي للأزمة القائمة بين الأوروبيين والولايات المتحدة في مقاربتهم للملفات الأمنية، ومن بينها ملف حلف الناتو والأزمة الأوكرانية.
يمتلك الرئيس ترامب حاليًا أوراق ضغط كبيرة جدًا على كييف، والتي يمكن أن تغير المعادلة، فبإمكان واشنطن تجميد الدعم العسكري والفني الذي يحتاجه زيلينسكي للدفاع عن أراضيه كخطوة أولى.
أما الخطوة الثانية، فهي منع مبيعات الأسلحة الأميركية لأوكرانيا، حتى وإن توفر تمويل أوروبي لها، فضلًا عن تجميد أميركا لمشاركتها في الناتو للدفاع عن أوروبا في حال وجود أي تداعيات أمنية ناتجة عن تطور الأزمة بين موسكو وكييف، وهو ما يمثل كابوسًا أمنيًا غير محتمل للأوروبيين.
ويمكن القول إن الاجتماع المتوتر الذي جرى بين الرئيسين الأميركي والأوكراني، ستكون له تبعات محتملة، من بينها خلق موقف أوروبي موحد داعم لأوكرانيا، حتى وإن كانت كلفته الأمنية باهظة على القارة العجوز في غياب الضمانات الأمنية الأميركية لأمنها.
إضافة إلى ذلك، قد يشهد العالم تصلبًا روسيًا غير مسبوق في الشروط التي يمكن أن تفرضها موسكو لحل الأزمة مع أوكرانيا، فبوتين لم يكن يتوقع أن ينكشف ظهر خصمه بهذه الطريقة المهينة، وهو ما يعطيه ضوءًا أخضرَ مفاده أن أوروبا فقدت حليفًا ظلت تعتمد عليه لعقود في إطار منظومتها الأمنية.
والخلاصة في هذا الجانب، هي أن جميع الطرق تتجه نحو تسوية غير مقبولة لكييف وحلفائها الأوروبيين.
إن هذا الانكشاف الأمني الذي يمكن أن تتعرض له أوروبا، الحليف التاريخي للولايات المتحدة، يستدعي نظرة متعمقة إلى تداعيات استمرار الحرب أو التوصل إلى تسوية في الملف الأوكراني على منطقة الشرق الأوسط.
التسوية المحتملة وانعكاساتها على الشرق الأوسط
كما هو معلوم، كان للحرب في أوكرانيا تأثيرات متباينة على دول المنطقة، وخاصة فيما يتعلق بواردات الغذاء والطاقة، فالعديد من بلدان الشرق الأوسط تعتمد على القمح الوارد من أوكرانيا وروسيا.
وبطبيعة الحال، فإن الحرب الدائرة بين كييف وموسكو قد أسهمت بشكل مباشر في إخراج الدولتين من معادلة تصدير الغذاء لدول الإقليم، الأمر الذي أحدث نوعًا من الضغط السياسي والاقتصادي الناتج عن ارتفاع أسعار الغذاء داخل بعض الدول.
والملاحظة الجديرة بالاهتمام هي أن أكثر من ربع صادرات القمح العالمية يأتي من روسيا وأوكرانيا، ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو)، تعتمد خمسون دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على القمح الروسي والأوكراني، أي بنسبة لا تقل عن ثلاثين بالمائة من واردات هذه الدول. في المقابل، استفادت دول أخرى من ارتفاع أسعار النفط والغاز.
وبنظرة تحليلية فاحصة لإمكانية تأثير التسوية المحتملة للأزمة الأوكرانية الروسية على منطقة الشرق الأوسط، يمكن القول إن أحد تجليات هذا التأثير هو تعزيز الدور الجيوبوليتيكي الإقليمي والدولي لمنطقة الشرق الأوسط، وذلك بالنظر إلى الإمكانات المادية والثروات التي تتمتع بها، على الرغم من التحديات السياسية والأمنية التي عاشتها المنطقة بسبب مجموعة من العوامل التي شهدتها المنطقة مؤخرًا، بدءًا بجائحة كورونا، مرورًا بالحرب في السودان التي اندلعت في أبريل/ نيسان 2023، ثم أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول في غزة، وصولًا إلى سقوط نظام الأسد.
إن اختيار الرياض لتكون مسرحًا للقاء الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين لتسوية الأزمة الدائرة بين كييف وموسكو، يعزز فرضية عودة ووجود دور محوري قادم لمنطقة الشرق الأوسط.
إن هامش المناورة الذي وفرته الأزمة الأوكرانية لكثير من القوى الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط، والتي لم تقطع علاقاتها بموسكو على الرغم من عمق تحالفاتها الاستراتيجية مع واشنطن، يعد أمرًا قابلًا للتوسع والاستثمار الإيجابي لجهة تنويع الشراكات مع قوى دولية خارج محيط المعسكر الرأسمالي الغربي، وتتوقف عملية الاستفادة من هذه الفرص على عاملين رئيسيين: العامل الأول هو وعي قيادات المنطقة بالمتغيرات الدولية الجديدة، والتي من بينها أن الولايات المتحدة نسخة 2025 تختلف عن تلك التي عرفها العالم عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، أما العامل الثاني فهو قليل من الجرأة والكثير من الإدرااك بعناصر القوة المتوفرة لدى دول الإقليم.
ولعل الأمر الأكثر أهمية في هذا السياق، هو براغماتية الرئيس الأميركي الجديد، والذي ينظر إلى العالم باعتباره حسابًا بنكيًا يجب أن يغطي نفقاته اللامحدودة.
وبالتالي، تعد هذه المرحلة مهمة للغاية في تعزيز مكانة الشرق الأوسط الجيوسياسية، وإنجاز ما كان يعتبر مستحيلًا من قبيل امتلاك التقنيات النووية، وتوطين الصناعات الدفاعية، وتحقيق الاستقلال التكنولوجي المفضي لحجز كرسي دائم مع الكبار، وتفادي التراجع الإقليمي والدولي الذي بات مصيرًا تواجهه الكثير من القوى كالاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، بسبب إدارة ترامب ظهره لهم. فالشرق الأوسط يمكنه أن يكون من بين أكبر المستفيدين من المتغيرات المحتملة لأي تسوية قادمة على صعيد الأزمة الأوكرانية في إطار الصورة الكلية لمستقبل النظام الدولي، أو على أقل تقدير ما يمكن تسميته بترتيبات دولية جديدة. فالعالم بعد الأزمة الأوكرانية سيكون مختلفًا عما سبق من المنظور الجيوسياسي.
السيناريو الجيوسياسي المتوقع بعد التسوية
يشير العديد من المحللين إلى الصراع في أوكرانيا على أنه حرب بالوكالة بين قوى عظمى، تستخدم فيها أقاليم معينة كأدوات لتحقيق مكاسب جيوسياسية. إلا أن النهج الذي يتبعه دونالد ترامب يمثل تحديًا لهذا التصور، حيث ينظر إلى هذه الحرب على أنها خطأ لم يكن ينبغي أن يقع، وبالتالي لا يعتبرها حرب أميركا، بل خطأ ارتكبته الإدارات الديمقراطية السابقة، واستمرت بدعم وتأييد أوروبيين.
ووفقًا للمعلومات المتاحة، فإن ترامب يتجه لجعل أوكرانيا دولة محايدة، وربما منزوعة السلاح، قادرة على التعايش مع جارتها روسيا دون أي تهديد حالي أو مستقبلي. وهو يضع نصب عينيه هدفين رئيسين: الأول هو الموارد الهائلة التي تتمتع بها كييف، وقد صرح بالفعل عن رغبته في الحصول عليها، والثاني هو الاستفادة من الضعف والإرهاق الذي تسببت فيه الحرب لموسكو، والتقارب معها لتقويض شراكتها الاضطرارية مع بكين، وإبعادها عن التحالف الوثيق مع شي جين بينغ.
ويستغل ترامب في ذلك مخاوف موسكو من تنامي قوة الصين بحكم الجوار الجغرافي، ويسعى للاستجابة للمطالب الأمنية الروسية من خلال تحطيم حلم كييف بالانضمام إلى الناتو، لخلق وضع من الحياد طويل الأمد، ومنع أي احتمال لتحالف صيني روسي على غرار ما حدث في الماضي.
إلا أن قدرة واشنطن على تحقيق ذلك قد تصطدم بالأطماع الجيوسياسية لبوتين، الذي يرفض استمرار فرضية الدور المركزي للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في تحديد معايير النظام الأمني الأوروبي دون تدخل موسكو.
وربما يكون تجاهل ترامب للقارة العجوز قد أغرى الكرملين بالاصطفاف مع واشنطن في إطار ترتيبات دولية، وليس نظامًا دوليًا جديدًا، يمنح موسكو بعضًا من الكبرياء المفقود.
على الصعيد الأوروبي، فإن تجاهل واشنطن لها على المستويين السياسي والدفاعي سيدفعها إلى تبني ثلاثة اتجاهات في إطار عملية إعادة التموضع الاستراتيجي المحتملة، نتيجة لأي تسوية محتملة بين موسكو وكييف.
الاتجاه الأول يتمثل في تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية، من خلال زيادة حجم الإنفاق العسكري، وتطوير الأبحاث التي تعزز التكامل بين الأبحاث المدنية وأبحاث الدفاع.
أما الاتجاه الثاني فيرتبط بتقليل الاعتماد على روسيا في توفير احتياجاتها من الغاز والنفط، من خلال إيجاد مصادر بديلة.
في حين يتمثل الاتجاه الثالث في العمل على بناء قاعدة اقتصادية قوية ترتكز على تعزيز السوق الأوروبية المشتركة، بهدف الوصول إلى وضع تتمتع فيه أوروبا بدرجة من الاستقلالية في تحديد وجهتها السياسية والاقتصادية والدفاعية، مع وجود رغبة في الانفتاح الاقتصادي على الصين.
وفي سياق متصل بالتموضعات المتوقعة كانعكاس للتسوية المحتملة، فإن مستقبل الصين في أي ترتيبات دولية سيكون رهنًا بقدرتها على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي، وإدارة علاقاتها مع القوى العالمية الأخرى.
تمتلك الصين القدرة على أن تصبح قوة عظمى متعددة الأبعاد، لكنها تواجه أيضًا عقبات كبيرة قد تؤثر على مسارها المستقبلي. وتمثل عملية عزلها عن التقارب مع موسكو، والعمل على تطويقها ضمن ما يعرف بإستراتيجية التوجه نحو آسيا، أحد أهم المتغيرات التي ستحدد بشكل كبير حجم ودور بكين في أي ترتيبات دولية قادمة بعد نهاية الأزمة الأوكرانية.
الاستنتاج
ستشكل طبيعة التسوية التي ستتوصل إليها الأزمة الأوكرانية نقطة فاصلة في العلاقات الدولية، ويمكن القول إن نتائج هذا النهاية ستؤثر على مختلف دول العالم، ولكن بشكل رئيسي دول الشرق الأوسط.
ومن هنا، تبرز أهمية استغلال الفرص التي ستوفرها عملية إقرار تسوية سلمية للصراع بين موسكو وكييف، من أجل بناء مواقف تفاوضية بناءة تستند إلى وعي وإدراك كامل لعناصر القوة التي تمتلكها دول الإقليم، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة تطوير هامش المناورة الذي تشكل لدول الإقليم خلال الأزمة، والعمل على التعامل العلمي والمدروس مع ما يسمى في العلوم السياسية بالنسق العقدي للقادة، ونقصد هنا الرئيس دونالد ترامب وتصوراته ومنظومة تفكيره والبيئة المحيطة به، بهدف تطوير فهم أعمق يمكن دول المنطقة من تحقيق مكاسب استراتيجية لم يكن متاحًا التفكير فيها من قبل، كما تمت الإشارة إليه في متن المقال.